روایة اولاد حارتنا و الانماط الاولیة

اثارت روایةاولاد حارتناللکتاب الکبیر نجیب محفوظ زوبعة کبیرة حین صدورها...فقد طمحت الروایة الى تقدیم رویة شاملة لتاریخ المنطقة العربیة باسلوب روائی جمیل. ارادت ان تقول: ان الصراع فی منطقتنا یتاجج و یستعر بسبب استئثار فئة قلیلة بالناتج الوطنی او القومی – الوقف من منطقة الروایة – على حساب الفئات الاوسع. و لا یعود التوازن النسبی الى المجتمع الا بعد عملیة صراع یقودها رمز من الرموز ، و یمثل نجیب محفوظ لهذه الرموز بالانماط الاولیة التی رسخت فی الذاکرة الجمعیة او فی اللاوعی الجمعی الذی یختزل مجموعة اعمال هذه الرموز و یتمنى عودة زمانها بشکل یوتیبی رغبة فی استعادة العدل و التوازن المفقودین. ثم یتجلى الصراع عن ترکیب جدید . و ترجع الامور عبر اسطورة العود الابدی التی لا تفتا تتکرر فی ازمنة وحقب یستعیدها التاریخ البشری. انها روایة فذة توسلت الانماط الاولیة التی تشکل جزءا من ذاکرة الجماعة الانسانیة و على الاخص فی منطقتنا العربیة فی محاولة انشاء معی حقیقی للصراعات القائمة و استخلاص مقولات تحاول تلخیص آلیة الصراع و بعض مفاتیح الحلول ...وفق رویة جدلیة ترى الحل فی العلم نبی هذا العصر الذی لا یموت.ودراستنا تقوم على التحلیل بشکل اساسی و لیس على مجرد التجمیع وهذا ما جعل مصادرها و مراجعها قلیلة لتصنیف اشیاء فی فهم هذه الروایة الاشکالیة و لتنصفها وتنصف مبدعها بعیدا عن ایة افکار مسبقة حولها وحول مبدعها. حضور الانماط الاولیة فی روایة اولاد حارتناتحول الکاتب الکبیر نجیب محفوظ بعد مرحلة الواقعیّة الطبیعیة التی عالج من خلالها الواقع ، الى مرحلة تفسیر هذا الواقع وتحلیله و دراسته عبر وسائل فنّیة ابتدعها ، و وصل من خلالها الى مرتبة فنّیة و فکرّیة عالیة جدّا. و قد تجلى ذلک فی العدید من روایاته المتاخرة من مثل اولا حارتنا موضوع دراستنا و الحرافیش و سواهما ، حتى انه حین سول مرة عن اهم روایته و اقربها الى نفسه ؟ ...اجاب : انها الثلاثیة و اولاد حارتنا و الحرافیش ... وتعد اولاد حارتناروایة من بین اهم روایات هذا المبدع الذی کرس حیاته لفن الروایة ، فابتدع فیه اشکالاً جدیدة و ابتکر اسالیب حدیثة دفعته الیها تجربته فی میدان مزاولته هذا الفن . و لدى قراءة هذه الروایة الفذة ، لابد ان نتذکر فکرة الانماط الاولیة او ما دعاه یونغ بالنموذج البدئی تلک الصورة الاولیة ، و الراسب النفسی لتجارب لا تحصى لدى عرق او نوعٍ واحد .یقول لسلی فیدلر:فی ( قناع حیاة الفنان والاقنعة المتضاعفة لعمله ، یعبر الفنان للمجتمع کلّه عن المعنى الشعائری لنفوس افراده المفکّکة . ان الفنان لا یمضی فی سبیله لیعید خلق وعی عرقه و لکن لیسترد لا شعور هذا العرق ). 1 ویقول ایضا : ( ان الفنان قادر ان یعود بنا الى صمیم لا شعوره حیث یتوحد معنا کلنا فی حضرة ( آلهتنا القدیمة ، و ابطال الحکایات الذین نظن اننا لم نعد نومن بهم...) 2 انها الانماط التی تنطوی على مغزىً کونی عام ، تلک الصور الراسخة عمیقا فی النفسی البشریة و التی حملت معانی کثیرة فی الماضی ، و اعطت الکثیر.و یغلب ان تتجلى الانماط الاولیة من خلال عملیة لا شعوریة لدى المبدع ، و قد لا یکون الفنان على وعی تام بما ینتج من حیث تلاومه مع النموذج الاولی فیاتی ابداعه متوافقا مع تلک النماذج التی اختزنتها الذاکرة العرقیة ،فالانسان الاول مازال کامنا فی کل منا بشکل من الاشکال .و لکن، قد یقوم الفنان باعادة انتاج هذه النماذج الاولیة عامدا متعمّدًا ، و هو یقصد بذلک الوصول الى مغزى ما ، او ابتداع قضیة جاذبة ، فیثبت معرفتنا الخاصة بحیاتنا الداخلیة و الخارجیة .