حق المواطنة فی العراق الجدید على وفق رویة المرجعیة الرشیدة)

انّ ما یذکی اهمیّة المواطنة بما هی محصلة لاستیعاب الفرد وفق حقوق و واجبات معلومة یلتزم بها، یختص بها کل فرد من افراد المجتمع البشری على نحوٍ متساوٍ. و علیه فهی صفة تُطلق لمن یتمتع بتلک الحقوق و الواجباب، تلک الصفة حملها القُرآن الکریم باستعمال تعبیری من نظیر (البلد، و الدیار) و مفهوم جسّده الرسول (صلى الله علیه و آله و سلم) عندما دعا الیهود، فمع کونهم یهوداً ولکن الرسول اجرى معهم عقداً وطنیاً ملزماً بوصفهم یشترکون مع المسلمین فی وطن واحد اراده (صلى الله علیه و آله و سلم) انْ یجعل منه عیشاً مشترکاً على ارض المدینة محمیاً من ای تصدع وخلاف، فالزم الجمیع بتلک الوثیقة المثال، للعیش المشترک على ارض المدینة؛ لانها وطن الجمیع منمسلمین وغیرهم. وهنا مثّل مفهوم المواطنة بما هی حدّ اجتماعیّ و مجال عاطفیّ وودّیّ, و من ثُمّ مجاز ثقافی احد المثیرات الاساسیة، و من ثم احد الموضوعات المرکزیة و المرتکزات البنّاءة فی مرجعیّة السید السیستانی, اذْ شکّلت فکرة المواطنة فی الکثیر من خطاب المرجعیّة مرجعاً اثیراً عابراً لحدود القومیّة و الطائفیّة. کما شکّلت مرجعیّته مداراً نصیّاً و مجالاً نوعیّاً لوعی الامة بهذا المفهوم ببلاغة و خطابیة لا متناهیّة سواء على المستوىالنظری او العملی، وبهذین المستویین حوّلها الى بورة جذب، و عمل على ترسیخها فی الوعی الجمعی من ضرورة التحام العراقیین فی الرباط الوطنی و مواجهة التحدیات القاسیة التی تواجههم، کما ورد فی نص خطبة له: ((انَّ من متطلّبات النجاح فی معرکة الاصلاح هو تفهّم الساسة الذین بیدهم مقالید الامور فی البلاد لاحقیّة مطالب الشعب بتوفیر الخدمات و مکافحة الفساد و تحقیق العدالة الاجتماعیة...))، و ممّا لا شک فیه ان مرجعیته رکّزت على تحقیق الاندماج المجتمعی، فلم نلحظ بروزاً لایّ نفس مذهبی او طائفی، بل سمیت زعامته (مرجعیة وطن) ولاسیّما ان سماحته حاول تکیّف بناء الدولة العراقیة مع مفهوم المواطنة، لیس وفق اطر واسس دینیّة؛ لان الشعب من وجهة نظره مصدر السلطات. و بما ان المواطنة فی وعی الفرد المسلم ترتکز على دوائر ثلاث (الانتماء العقدی، و الکیان السیاسی، و الوطن العرفی) فان دائرة الکیان السیاسی التی یتبنّاها الوعی المسلم اتجاه مفهوم المواطنة تتساوق مع احدى مهام المرجع باستیعاب خدمات النّاسبکل طبقاتهم , وتحقیق آمالهم اقتصادیاً واجتماعیاً , ,کان للمرجعیة الرشیدة باع طویل فی الشان السیاسی منذ ابی الحسن الاصفهانی، فالنائینی ثم الشیخ مهدی الخالصی... وانتقالاً لمرجعیّة السید السیستانی المعاصرة، و ان کان سماحته لم یتخذ مشروعاً سیاسیاً، بل کانت خطبه تتخذ خطاباً سیاسیاً، و علیه کانت المواطنة احد اهم مرتکزات مرجعیة السیستانی فی بناء الدولة العراقیة لما بعد ٢٠٠٣، و قد تجلّت الدعوة الیهافی مناسبات متعدّدة کانت اهمّها الدعوة الى:١ - دستور یطابق المصالح العلیا للشعب العراقی.٢ - المشارکة الانتخابیة و وصفها المفتاح الوحید لبوابة الدیمقراطیة صدت عنه الحکومات الدکتاتوریة.٣ - حق التظاهر، کما ورد فی نص الخطبة من التاکید ((على حرمة الاعتداء على المتظاهرین السلمیین و منعهم من ممارسة حقهم فی المطالبة بالاصلاح)) اذ قدّم رویة سیاسیة بافکار عصریة متفردة فی معالجته لاشکالیات السلطة: ((المرجعیة الدینیة ستبقى سنداً للشعب العراقی الکریم، و لیس لها الا النصح و الارشاد الى ما ترى انه فی مصلحة الشعب، ویبقى للشعب ان یختار ما یرتئی انه الاصلح لحاضره و مستقبله بلا وصایة لاحد علیه)).