بناء الانسان فی فکر الامام علی (علیة السلام)

لم یکن الاقبال على کتابة هذا البحث من باب ذکر اقوال الامام علی علیه السلام ووصایاه فحسب ، وانما لما وجدناه من اهمیة ومسوولیه للتجرد فی کتابة هذا الموضوع ، والوقوف على اهم المحطات التی تحدّث فیها الامام عن بناء الانسان وکیفیة الارتقاء به ،منذ نعومة اظفاره الى آخر حیاته ،اذ دعا الامام الى بناء الانسان منذ الطفولة فرسم منهجیة تربویة ترعى نمو الولد وبناءه ایمانیا واخلاقیا وعلمیا ، فالتربیة على الفضائل منذ الصغر تترسّخ فی الانسان وتتجذّر فی سلوکه المستقبلی .وقد تلمّس الامام علیه السلام دقائق النفس البشریة – سابقاً - بذلک النظریات الحدیثة فی علم النفس والاجتماع ، وکان الامام منطلقا فی کل اقواله وافعاله من مبادئ الدین الحنیف وشریعته السمحاء وتعالیم القرآن والسنة النبویة الشریفة ، وکان یقرن الاقوال بالافعال واعطاء القدوة فی سلوکه الشخصی ، داعیا فی وصایاه الى تخلیص البشریة من ادرانها وآفاتها التی تفتک بالانسان نفسه قبل غیره ، ودعا کذلک الى تنویر عقل الانسان بالعلم والمعرفة ، والى بذل العلم وافادة الناس منه فزکاة العلم نشره ، ونجده کذلک یحثّ الانسان للابتعاد عن کل العلوم المفسدة کالکهانة والتنجیم لما فیها من اباطیل وخرافات التی تنتهی بالانسان الى الضلالة والانحراف . وقد وجد الامام فی العمل زکاة للبدن وحفظ الانسان من الذل والمهانةویشکّل الانسان المسلم وغیر المسلم قیمة علیا عند الامام علیه السلام ،اذ نجده یوجه بتنقیة النفس البشریة من کل شرورها واطماعها ویدعو الى حرمة دم المسلم وماله وعرضه حتى ینشا جیل من الناس یحترم بعضهم البعض ، جیل تربى على الفضیلة ومکارم الاخلاق ،وحتى یامن کل فرد فی المجتمع على حیاته وعرضه وماله ، ویکون محاسبا لنفسه رقیبا علیها قبل ان تکون القوانین والسلطة رادعة له . وتقویم الانسان وسیره على الدرب الصحیح انما هو تصحیح لمسار المجتمع باکمله ، فصلاح المجتمع بصلاح ابنائه . ویتّضح لنا من خلال البحث انّ الاسلام لیس اعتقاداً فی القلب ، بل هو منهج حیاة یتحوّل فیها الاعتقاد والایمان الى ممارسة سلوکیة فی جمیع جوانب الحیاة ، وبذلک یکون المنهج الاسلامی اداة للسمو بالانسان مادیا ومعنویا .وندعو من خلال البحث الى تفعیل هذه الوصایا والاقوال فی کل المجالات ، لتصبح حلّاً وبلسماً لکثیر من الامراض النفسیة التی یعانی منها الناس ومن القضایا والمشاکل التی تتصل بحیاة المجتمع .وکان الامام علی علیه السلام مثالا للمسلم المخلص لربه ولمجتمعه ، فلم یدخر وسعا فی توجیه الناس لما هو خیر لهم ، وبعمله هذا لم یکن یبتغی الاوجه الله سبحانه وتعالى لاغیر .