البعد الصوتی فی النحو العربی حتى نهایة القرن الرابع الهجری - دراسة فی ضوء البعد الاجتماعی

لا یمکن ان تَبعُد الشقّةُ بین النحو والصوت ، وان کان بعض المحدثین قد قلّل من اهمیّة ارتباط النحو بالصوت عند القدماء ، اذ قالوا : (( انّ من النادر ان نجد فی کتب النحو القدیمة من یشیر الى الارتباط بین ظاهرة نحویّة ، واخرى صوتیّة ، مع انّ الکثیر من ظواهر النحو لا یمکن تفسیره الّا على اساس صوتی )) ، ویرى آخرون انّ ربط الظواهر الصوتیّة بالمعنى ، ای : ادّعاء ان اصواتًا معینة تدل على معان معینة او توحی بها ، قضیة لم یتفق على صحتها الدارسون ، ویرى آخرون انّ الدراسةالصوتیّة کانت ملحقة بالنحو لا ممهّدة له ، ولا معینة على فَهْمِه کما ینبغی لها ان تکون ، وانّها جاءت فی آخر الکتاب، فلا یراها القارئ الّا بعد الفراغ من النحو والصرف ، وهو دلیل على انّ النحویین لم یکونوا یقدّرون العلاقة بین الاصوات والنحو ، ومردّ ذلک لسببین عنهم ؛ الاول : هو انّ القرّاء قد عُنوا بالجانب الصوتی لضبط النصّ القرآنی ؛ لانّ القراءات القرآنیة کانت متواترة بالتلقّی الشفهی ، وکانت نتیجة ذلک انّ تجوید النصّ القرآنی یودی الى محاولة الوصف الصوتی من حیث المخارج والصفات ، وقد یکون النحویون من القرّاء دون غیرهم من القرّاء الآخرین هم الذین انشاوا هذا الوصف الصوتی لمخارج الحروف وصفاتها ، ثمّ سلّموا هذا الوصف الى خلفائهم من النحویین غیر القرّاء . والسبب الثانی : انّ النحویین حین بداوا ملاحظاتهم النحویّة على اللغة صادفوا اللغة العربیة مکتوبة ، ولا یمکن للکتابة فی ایّ لغة ان تستقر وتودی الغرض منها الاّ اذا کان واضعو هذا الخط وقواعد الاملاء ذوی حدس ووعی بالنظام الصوتی للغة .