مصادر روایات السیرة النبویة عند المورخین عرض ومناقشة

هناک مقولة مشهورة بین الباحثین فی التاریخ وهی لا تاریخ بلا مصادر اذ لا یمکن للباحث ان یکتب دون الرجوع الى المصادر لیستقی منها المادة الاولیة التی تزوده بالنصوص الکفیلة بکتابة متن البحث، فعملیة کتابة التاریخ تقوم على المصادر، ولذلک اشترط على الباحث ان یتاکد من توافر مصادر کافیة قبل الشروع فی عملیة البحث. استقى اهل التاریخ مصادر متعددة فی کتابتهم للسیرة النبویة ، وهی فی الواقع فیها المُعْتدّ به فی الجملة ، وفیها غیر المُعْتدِّ به ، وفی کلا النوعین ما یصحُّ وما لا یصحُّ من الروایات ، واغلب کتب التاریخ تورد الصحیح والضعیف والواهی والموضوع فی اخبار السیرة مما یجعل دارس السیرة محتاجاً الى تمحیص هذه الروایات قبل الاستشهاد بها ، وان من الموسف حقاً ان نرى بعض المثقفین ، بل وبعض الدارسین المتخصصین فی مادة التاریخ - فضلاً عن عامة الناس - یَمْترون فی هذه الحقیقة ، بل ویُجادِلون فیها ؛ فلا یُفَرِّقون بین سندٍ وسندٍ ، ولا بین روایةٍ وروایة ، ولا یومنون بمنهج النقد عند المحدِّثین ولزوم تطبیقه فی مجال روایات السیرة والشمائل النبویة والتاریخ .الامر الذی یودی احیاناً الى الخلْط بین الرای والروایة هو الذی یُوقِعُ فی مثل هذه المقولة وفی مثل هذا الرای ، انّ هناک فرقاً بین ان یقول القائل : (( لا ارى حرجاً من روایته )) ، وبین ان یقول : لا ارى حرجاً من اعتقاده او العمل به؛ اذْ یُشترط للمقولة الاولى صحة ذلک الکلام روایةً؛ لیزول الحرج من روایته ، ولا یُشترط للمقولة الاخرى صحة الروایة بها فی ذلک الموضع ، وانما یُشترط قیام الدلیل على المضمون؛ وذلک للفرق بین ان یروی الانسان الروایة ، وبین ان یعتقد معنىً من المعانی او یَعْملَ به!کما انه عندما تختلط على الباحث هذه المعانی سوف یُخطئ الحق والصواب ولا شک ، وقد یَضلُّ ویُضلُّ ، من حیث یشعر او من حیث لا یشعر ، وما اکثرَ الناس الیوم الذین لا یُفرّقون بین هذه الوجهة وتلک وبما ان لکل علم مصادره التی یستقی منها مادته، والسیرة النبویة ایضا لها مصادرها، وهی عند المورخین لیست على درجة سواء فی الاخذ منها والاعتماد علیها ، بل تتفاوت بحسب قیمتها ، ویاتی فی مقدمتها القرآن الکریم فهو اوثق المصادر واصحها وفیما عداه عبارة عن مزج بین الروایات الثقات والضعفاء ، ومنهم من لم یشترط الصحة فیما یرویه ، لان المقصد التاریخی کان هو الموجه لادائه،حیث کان یرمی الى جمع کافة التفاصیل التاریخیة الخاصة بمواضعه من کافة المصادر على اختلاف منازلها من الصحة والضعف فهی تحتاج الى البحث والدراسة لمعرفة موثوقیته من عدمها ، وهو غایة البحث.